محور الجائزة لعام 2025-2026
مصر فى النصف الأول من القرن العشرين
"تحولات مجتمع ونهضة أمة"
تعد هذه الفترة من أهم وأخصب فترات التاريخ المصري الحديث والمعاصر، حيث شهدت تحولات وتطورات على جانب كبير من الأهمية في حركتها الوطنية وأوضاعها السياسية، كما تأثرت سلبيا بحربين عالميتين لا ناقة لها فيهما ولا جمل، انعكست آثارهما على مجمل أوضاع البلاد سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، فضلا عن اشتعال ثورتها الوطنية والشعبية العظيمة عام 1919، كما حملت في أحشائها في السنوات الأخيرة من هذه الفترة جنين ثورة 23 يوليو 1952.
وفيما يتعلق بالتطورات السياسية كذلك فقد شهدت هذه الفترة في بدايتها انبعاث الروح الوطنية من جديد من خلال جيل شبابي يعتمد أساليب النضال السرى والعلني بقيادة "الحزب الوطني المصري" الذى أسسه الزعيم الوطني مصطفي كامل (1874- 1908) ومعه محمد فريد (1868-1919) ورفاقهما عام 1907، والذى قاد مظاهرات وإضرابات لمقاومة الوجود الاحتلالي مطالبة بالجلاء، كما طالبت الخديوي عباس حلمي الثاني ( 1874-1944) بحكم دستوري حقيقي، وقد نجحت هذه الحركة الوطنية في إبعاد المعتمد السياسي البريطاني اللورد كرومر الذى كان حاكما فعليا ومستبدًا بمصر منذ بداية الاحتلال ومجيئه عام 1883، كما مهدت هذه الحركة المناخ الذى ساهم في تفجير ثورة 1919.
لقد بدأت مصر في تجاوز محنة الاحتلال البريطاني حيث انبعثت بين جوانحها حركة مقاومة وطنية قام بها هذا الجيل خلال العقد الأول من القرن العشرين، بعد موجة الثورة العرابية (1881-1882)، فبعثت في مصر روح مقاومة عنيدة في شكل لجان سرية للنضال الوطني المصري، كما ضمت الحركة الجديدة قطاعات من المثقفين والأعيان الذين ألفوا "حزب الأمة " الذي حدّث مثقفوه، وعلى رأسهم أحمد لطفي السيد، بنى وطنهم عن سلطة الأمة والحكم النيابي وضرورة بناء الانسان المصري ليكون جديرا بالحرية والاستقلال.
وبالرغم من أن هذه التجربة الحزبية قد عطلتها الحرب العالمية الأولى وانعكاساتها على مصر منذ عام 1914، من أحكام عرفية وإغلاق للصحف الوطنية ومطاردة للزعماء بالنفي والتشريد، إلا أنها لم تلبث أن انبعثت من جديد وفي طليعتها تيار" الوفد الوطني" منذ أواخر عام 1918 والذي قاد البلاد في ثورة شعبية عارمة عام 1919 تولى قيادتها سعد زغلول (1859-1927) ورفاقه، تلك الثورة التي امتدت من العاصمة إلى المدن بمختلف الأقاليم والريف ورفعت شعار الاستقلال وجلاء المحتل والمطالبة بحكم دستوري يستند إلى برلمان منتخب. وكان من أهم منجزات هذه الثورة الوطنية الحصول على دستور عصري – في زمنه –صدر عام 1923 لتصبح مصر بموجبة دولة ملكية دستورية، يتولى فيها الشعب اختيار برلمانه بانتخابات حرة، أتت بحزب الأغلبية (الوفد) إلى السلطة التي تولى فيها سعد زغلول باشا رئاسة أول وزارة منتخبة في تاريخ مصر، والتي عرفت "بوزارة الشعب" عام 1924. وبموجب هذه التحولات بدأت التجربة الحزبية الثانية والتي كان قوامها الجماعة التي انشقت عن الوفد وألفت حزب الأحرار الدستوريين في أواخر عام 1922، ثم الحزب الوطني المصري، والحزبين اللذين انشقا عن الوفد فيما بعد، وهما حزب الهيئة السعدية وحزب الكتلة الوفدية وغيرها.
وسنلاحظ أن حكام مصر خلال هذه الفترة تغيرت ألقابهم، فبعد عزل الانجليز لخديوي مصر عباس حلمي الثاني عام 1914 عقب إعلان الحماية البريطانية على مصر وقطع علاقة مصر بالدولة العثمانية، اختاروا لحاكم مصر لقب " سلطان " الذى كان أول من حمله السلطان حسين كامل (1914- 1917) وعقب وفاته تولى السلطنة المصرية الأمير أحمد فؤاد الذى ظل سلطانا من عام 1917 حتى عام 1923 الذى حمل فيه لقب " ملك مصر والسودان" حسب نصوص دستور عام 1923 منذ ذلك التاريخ حتى وفاته عام 1936 ليخلفه ابنه الملك فاروق من عام 1936 حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952.
لقد عرفت مصر خلال هذه الفترة برلمانا منتخبا من مجلسين للنواب والشيوخ، كما عرفت انقلابات دستورية عديدة، سواء بتدخل الملك أو بضغوط من الساسة البريطانيين، الذين حمل ممثلهم لقب "المعتمد البريطاني" منذ بداية الاحتلال حتى بداية عهد الحماية البريطانية عام 1914 ليصبح لقبه بموجبها " المندوب السامي البريطاني " وعندما حصلت مصر على قدر من الاستقلال بموجب معاهدة 1936 أصبح المندوب السامي " سفيرا" لبريطانيا في مصر، وإن ظل يمارس هيمنته على الأوضاع السياسية بدرجة أو أخرى، مستندًا إلى وجود الجيش البريطاني وقاعدته في منطقة القناة.
ومن المهم أن نلاحظ أنه رغم عشرات الآلاف الذين استشهدوا برصاص الانجليز خلال أحداث ثورة 1919 والتي قمعتها السلطة البريطانية بالعنف والقوة، فقد اضطرت إلى إرضاء المصريين الثائرين وزعمائهم بمنحهم قدرا من الاستقلال ورفع الحماية البريطانية عن مصر بموجب تصريح فبراير 1922، كما أتاحت للسلطان فؤاد (1868-1936) أن يصدر الدستور الذي يعتبره المؤرخون من مكاسب الثورة المصرية.. ومن سمات هذه الفترة كذلك أن جرت جولات مفاوضات بين الساسة المصريين والخارجية البريطانية لحل المسألة المصرية وبحث مطالب المصريين، وعلى رأسها تحقيق جلاء القواعد البريطانية عن مصر، فانعقدت جلسات هذه المفاوضات منذ عام 1920 دون أن تصل إلى إنجاز معاهدة تحقق مطالب المصريين بسبب تعنت ومراوغة الجانب البريطاني في الاستجابة لمطالب المفاوضين المصريين، مما آذن بانتفاضة قام بها الشباب عام 1935 أوشكت أن تتحول إلى ثورة جديدة، الأمر الذى اضطر الجانب البريطاني إلى التفاوض مع هيئة من الزعماء المصريين، في ظل ظروف دولية غير مواتية لبريطانيا، وانتهت المفاوضات بتوقيع معاهدة التحالف بين مصر والمملكة المتحدة عام 1936 التي منحت مصر قدرا جديدا من الاستقلال، أو ما اعتبر حينذاك خطوة في سبيل الاستقلال، حين أجلت معسكرات الجيوش البريطانية من أنحاء البلاد، وركزتها في قاعدة واحدة بمنطقة قناة السويس، ونصت على أن يعاد النظر في بنود هذه المعاهدة بعد عشرين عاما من توقيعها لتعديلها .. ولم يقدر لمفاوضات جديدة أن تنجح إلا بعد قيام ثورة 23 يوليو التي وضعت على رأس أهدافها إجلاء الاستعمار البريطاني عن أرض مصر، وأرغمت الانجليز، في ظل حركة كفاح مسلح في منطقة القناة، على توقيع اتفاقية الجلاء عن قاعدة القناة عام 1954 بعد احتلال دام أكثر من سبعين عاما.
وقد تواكب مع هذا النضال الوطني، نضال في المجال الاقتصادي. تولاه كوكبة من رجال الاقتصاد كان في طليعتهم طلعت حرب الذي نجح في إنشاء أول بنك مصري عام 1920 وهو "بنك مصر" الذي تأسس بتمويل مصري صرف وأنشأ العديد من الشركات الصناعية والمؤسسات الاقتصادية لتحرر الاقتصاد المصري من ربقة الهيمنة والسيطرة الأوربية، فكان تحرير الاقتصاد مواكبا لتحرير السياسة والإرادة الوطنية.
ومن المهم الإشارة إلى أن مصر عرفت حركة عمالية وطنية نشطه منذ بداية القرن العشرين قامت بدورها الوطني وشاركت في الثورات والانتفاضات الوطنية، وألفت بعض الأحزاب وشاركت في تنظيمات اليسار.. وقد تواكب مع هذا التطور حركة تحرير المرأة المصرية من الجهل بالانخراط في جميع مؤسسات التعليم العام والخروج إلى شتى ميادين العمل، فتحققت دعوة قاسم أمين التي أطلقها في كتابيه: تحرير المرأة (1899) والمرأة الجديدة (1900)، كما دخلت المرأة المصرية مجال التعليم الجامعي منذ أواخر العشرينيات بعد أن شاركت بنصيب مقدر في الحركة الوطنية عام 1919 بل إنها قامت بمظاهرة النساء الشهيرة التى خرجت تواجه الانجليز في مارس 1919 لتثبت جدارتها ومقدرتها في صفوف الحركة الوطنية المصرية. وجهود هدى شعراوي (1879- 1947) ورفيقاتها، خاصة نبوية موسى (1886-1951) وسيزا نبراوي (1897- 1985) ودرية شفيق (1908-1975) وغيرهن معروفة في تاريخ الحركة النسائية في مصر.
وفي مجال التطور الاجتماعي شهد نصف القرن هذا إنشاء أول جامعة مصرية (أهلية) بأموال وتبرعات المصريين عام 1908، تلك التي نشطت في استقدام الأساتذة الأجانب – إلى جانب المصريين – واستئناف البعثات العلمية إلى الدول الأوربية.. صحيح أنه كان بمصر، منذ عهد محمد على مدارس عليا فنية ارتبطت بالجيش على رأسها مدارس الطب والهندسة وغيرها، لكنها لم تكن لها طابع جامعي، ولم تدرس فيها مختلف العلوم الانسانية والقانونية والآداب، ولم تتألف منها جامعة كالتى أنشأها المصريون عام 1908 في تحد صريح للساسة الانجليز، واعتبر إنشاء هذه الجامعة جزءا من مقاومة سياسة الاحتلال في المجال التعليمي والعلمي، فكان انشاؤها خطوة مهمة في التصدي لسياسة الاحتلال في المجال التعليمي والعلمي، كما كان خطوة مهمة في تطور مصر الاجتماعي والثقافي. وقد لعب طلاب هذه الجامعة والمدارس العليا دورهم في النضال الوطني خلال ثورة 1919 وفي أعقابها، والذي توّج بانتفاضة الشباب الوطني عام 1935.. كما كانت الجامعة المصرية (الأهلية) أساسا بنيت عليه الجامعة المصرية (الحكومية) عام 1925 بعد أن ضمتها وزارة المعارف آنذاك، مع المعاهد العليا، إلى رعاية الدولة المصرية، وصارت جامعة رسمية، وقد حملت اسم "جامعة فؤاد الأول " منذ عام 1938 ثم "جامعة القاهرة " منذ عام 1952.
بجانب ذلك، تميزت هذه الفترة من تاريخ مصر الحديث والمعاصر بظهور الكثير من المعطيات الثقافية الحديثة، مثل نشأة السينما في مصر وتأسيس ستوديو مصر عام 1935م، الذي قدمت فيه أعمال ليوسف بك وهبي، ونجيب الريحاني، وعلي الكسار. كما انتشرت الحركة المسرحية المصرية، وقدمت أعمالا لفنانين مصريين منهم زكي طليمات، وجورج أبيض، وألفريد فرج، وسلامة حجازي، ورشاد رشدي وغيرهم. كذلك حظي الغناء والموسيقى المصريين بانتشار واسع، وبزغ نجم كل من سيد درويش، ومحمد عبد الرحيم المسلوب، وأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب وغيرهم.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الفترة قد شهدت تطورا فكريا كبيرا تمثل في اسهامات متتالية عبرت عنها مؤلفات هامة وتراجم لبعض الأعمال الفكرية والفلسفية الهامة. ففي بداية القرن، تألقت أعمال قاسم أمين (1863-1908) عن تحرير المرأة، ومؤلفات وترجمات أحمد لطفي السيد (1872–1963) وصحيفته (الجريدة)، والإسهامات الصحفية المتعددة التي واكبت تأسيس عدد من الصحف مثل (اللواء) لمصطفى كامل، وصحيفة روز اليوسف، والهلال والمقتطف وغيرها، إلى جانب تأسيس الأحزاب السياسية والجامعة المصرية. كما لعبت الصحافة الساخرة والكاريكاتير دورا مهما في النقد السياسي خلال تلك الفترة، من خلال مجلات مثل الكشكول والفكاهة.
ومع قدوم عشرينيات القرن العشرين، عبَّرت الطبقة الوسطى المصرية الناشئة آنذاك عن أساليب حياة حديثة، وبزغت حركة فكرية وتنويرية قادتها عقول مصرية بارزة مثل طه حسين (1889–1973)، وعلي عبد الرازق (1888–1966)، وعباس محمود العقاد (1889–1964)، فضلًا عن علماء المصريات مثل أحمد باشا كمال، وسليم بك حسن وغيرهما. كما لعب الأدب دورا هاما في تشكيل وجدان الشعب المصري ولمع كل من أحمد شوقي، محمد حسين هيكل، نجيب محفوظ، مصطفى صادق الرافعي، المنفلوطي وغيرهم مما أثروا الحياة الثقافية والأدبية بشكل واضح في تلك الفترة.
والمأمول من المتسابقين في جائزة القراءة أن يوجهوا القراءة الى التعرف على:
- (1) تاريخ حقبة النصف الأول من القرن العشرين
- (2) أهم الاسهامات الفكرية والأدبية التي شهدتها هذه الحقب